محاكمة غير عادلة

محكمة غير عادلة

ـ الراوي : ـ يروى في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، وراء الجبال والغابات كانت هناك قرية يعيش أناسها في سعادة وهناء، وفي يوم من الأيام أصاب أهل القرية مرض الطاعون وهو وباء فتاك، فمات العديد من الناس، وعلى إثر هذه الحادثة أقيمت محكمة للتعرف عن من كان سببا في الوباء لمحاكمته، فل نتتبع أطوار هذه المحاكمة .

ـ القاضي : ـ ها نحن اجتمعنا هاهنا أيها الأصحاب لكي نفكر جميعا ونبحث عن حل لهذه المصيبة العظيمة التي حلت بنا، إن هذا الوباء الملعون الذي أصاب أهل القرية خطير، وقد يموت بسببه كل السكان، فهل تريدون أن يبقى هذا المرض بيننا، ويفتك بنا دون أن نبحث عن علاج ينجينا من فتكه؟

ـ أهل القرية : ـ لا يا مولانا القاضي (بصوت واحد)
ـ القاصي : ـ استمعوا إلي جيدا، فقد روى الأجداد منذ القديم، أن الوباء لا يصيب قوما إلا إذا أذنبوا وارتكبوا الجرائم والمظالم، وأن القوم إذا أعرضوا عن الذنوب وتجنبوا المعاصي زال عنهم الوباء ونجوا من الهلاك .
ـ المستشار: ـ صدقت أيها الزعيم هذا ماقاله الأجداد والقدماء .
ـ القاصي : ـ علينا أن نعترف بكل أخطائنا،وعلى واحد منكم أن يعترف بكل أفعاله السيئة، فلا يخفى عنا شيئا .إن مصلحة هذه المجموعة فوق كل مصلحة، ويجب علينا أن نضحي بكل مفسد، وبكل معتد على الآخرين .
ـ المستشار : ـ هذا هو الرأي الصائب أيها القاضي .
ـ الحكيم : ـ يعيش مولانا القاضي ! سيقول كل واحد ما عنده بصراحة لندافع عن كل إخواننا في هذه القرية.
ـ القاضي : ـ يا قوم هذا رأيي صريحا، فاسمعوه جيدا، فكم من جريح جرحت، وكم من مستنجد تركته يموت، وكم من بريء سجنته، فبقيت نساؤهم أرامل وأطفاهم أيتاما، فهل أنا مذنب؟
ـ الحكيم : ـ لا يا مولانا القاضي أنت صاحب الفضل أقتل جميع الناس لنستريح منهم .
ـ المستشار : ـ أما أنا فإنني كلما خرجت عندما ينزل الظلام نشرت الخوف في أهل الأرض ، فأخطف الأمن والسلام، وأفتك بكل من صادفت في طريقي، فهل ترونني مذنبا؟
ـ الحكيم : ـ كلا يا مستشارنا، إن فضلك لا يخفى على أحد .
ـ الوزير : ـ اما أنا فإذا خرجت إلى أهل القرية وجدت أناسا متحدين ومتعاونين ، رحت بعيدا منهم ألتمس السلام والنجاة، ولكن إذا أبصرتهم متفرقين مشتتين، فإنني أنفرد بكل واحد منهم فأضربه وأسلبه كل ما يملك، فهل أنا مذنب؟
ـ الحكيم : ـ لا والله إنك لست مذنبا، يا سيدي الوزير .
ـ التاجر : ـ وأنا أهجم على المزارع والبساتين، فآخذ ثمارها عنوة، وحتى إذا مررت بقرية امتدت يدي إلى كنوزها وثرواتها فأستولي عليها، ولكن إذا أبصرت رجالا مسلحين ابتعدت وتجنبت الخطر، فهل أنا مذنب؟
ـ المستشار : ـ لا ... لا يا تاجر القرية تجنب الخطر ليس عيبا .
ـ الحكيم : ـ إن أقبح شيء هو عمل لا ينفع، إن الشجاع إذا أحاط به الخطر فر منه .(ثم يلتفت إلى العامل الفقير)، وأنت أيها العامل الفقير، مابك لا تقول شيئا؟ صمتك هذا يشبه صمت المذنب الظالم، الذي يحذر أن يكشف أمره إذا نطق بكلمة ما، هيا قل ما عندك .
ـ العامل : ـ كنت في أحد الأيام جائعا وقد ولى النهار وأقبل الليل، وكان الحر شديدا والعرق يتصبب مني وقد بلل ثيابي، فمررت بقرب بستان، وقدماي لا تقويان على حملي ومعدتي تكاد تتمزق من الجوع .
ـ القاضي : ـ أكمل أيها العامل الفقير .
ـ العامل : ـ وجدت قليلا من الثمار منثورة على الأرض بجانب البستان .
ـ الحكيم : ـ هل أكلت منها؟
ـ العامل : ـ نعم أكلت منها لكي أطفأ بها جوعي .
ـ المستشار : ـ لقد اعترفت بذنبك أيها العامل الفقير .
ـ الوزير : ـ أنت مذنب يا أحقر المخلوقات، ولابد من معاقبتك .
- الحكيم : ـ لا تتسرعوا في الحكم على هذا المسكين، لقد اعترف لكم بذنبه، ولابد من الرجوع إلى القانون لنرى النص الذي يحدد عقوبة جريمته، من حق هذا المذنب المسكين أن يتمتع بحكم عادل .
ـ المستشار : ـ (يفتح كتابا ضخما) من أخذ ما ليس حقا له استحق العقاب والعامل الفقير اعتدى على مال غيره، وأخذ من الثمار، القانون واضح والعامل أكل الثمارغصبا وعدوانا، والجريمة ثابتة في حقه .
ـ القاضي : ـ (ينهض ينطق بالحكم) : هذا العامل هو سبب الوباء الذي أصابنا، لأنه سطا على مال غيره ولم يقدر خطورة جرمته، وبسببه مات الكثير من سكان القرية .خذوه واحرقوه حتى يغفر الله لنا ويشفينا من الأمراض .
ـ المستشار : ـ أسرعوا فلا وقت لدينا .
ـ القاضي : ـ اسحبوه بسرعة .
ـ العامل : ـ (يخرجه الحراس). هذا حكم غير عادل، هذه محكمة غير عادلة، حسبي الله ونعم الوكيل .

موسيقى ، ستارة ، نهاية .
الشخصيات

ـ القاضي : ـ
ـ الحكيم : ـ
ـ المستشار : ـ
ـ الوزير : ـ
ـ التاجر : ـ
ـ العامل الفقير : ـ
ـ الراوي : ـ

]