بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
الجهاز الداخلي للمثل:
يتكون بدوره من عدة عناصر أبرزها الشعور
والإحساس والتركيز والذاكرة الانفعالية
1. الشعور والإحساس: مهما اعتنى الممثل
بتهيئة جسده وتمرينه لمواجهة المطالب التي يستلزمها
العمل المسرحي فلن يعدو كمحارة فارغة ما لم يدعم
هذا الجسد بحرفية داخلية تساويه في الجودة والإتقان،
فالممثل يستعمل مخيلته وأحاسيسها ليتمكن من الخلق
والإبداع (الممثل الآلي باستخدامه لوجهه وإيماءاته
وصوته وحركاته لا يقدم للجمهور شيئا غير القناع
الميت لشعور غير موجود) فالشعور هو العنصر
الأول في جهاز الممثل الداخلي للدور الذي يمثله أولا.
2. التركيز: يجب أن تكون يقضا إلى درجة أن تمنع
أي فكرة واحدة ضالة لا تنتمي إلى دائرة انتباهه
عن الدخول في مشكلاتك المحددة إذا لم يستطع الممثل
أن يركز إحساسه وفكره في كلمات دوره في
أعلى درجة من اليقظة وإذا لم يعرف كيف يجعل
كل طاقات جهازه العضو تعمل في اتجاه واحد يصبح
شبيها بالضوء المتقطع الذي يؤدي العينين،
وأنت لا تزال في بيتك يجب أن تعدي لدخولك
الأول على المسرح لا تشغل نفسك في اليوم
المفروض أن تمثل فيه على المسرح بكل ما هو عديم
الأهمية وما لا علاقة له على الإطلاق بالدور
الذي تؤديه فكرا دوما في دورك، حاول خلال يوم
العرض التمثيلي كله أن تكون الشخص الذي تمثله
لأن الحب هو الذي يساعد على تطوري حساسية
اللاشعورية فإن حب مهنتك أي الفن هو الأساس
الأول في حياتك فيجب أن تخلق حالة حب
بينك وبين دورك في المسرحية فلا يستطيع الممثل
أن يقوم بعمله وفي نفس الوقت يضع نفسه تحت
المراقبة المستمرة ولهذا السبب فإن التمثيل أمام المرآة
يعتبر واحدا من أسوأ مناهج التمثيل لأنك
إذا اكتسبت عادة توزيع انتباهك بصفة مستمرة أثناء
تعلم أداء دورك لن تفتح الباب إلى الحالة المزاجية
الحقيقية أو إلى البداهة على خشبة المسرح ولكنك
لن تفعل شيئا سوى أن تخرج من أدراج ذاكرتك
عرضا لحياة بطل كنت قد ثبته سابقا وفق خطوة تقليدية،
يجب أن تحب كل الأشياء الجميلة،إن سر عبقرية
الممثل ليس في قوة التعبير الخارجي بل في قوة
حياة النواة الخلاقة داخله تذكر أن (الفرح قوة لا تقهر)
ابدأ التمثيل: يجب أن تحرص على ألا تجهد ذاكرتك
أو انتباهك أثناء إعدادك الدور بنفسك إذا كنت مجهدا
أخرج لنزهة أو إذ هب إلى معرض صور تذكر
دائما القصة الهندية عن طالب سأل مدرسه كيف
يجد الحل السليم لمشكلته الخلاقة أي التمثيل
ونصحه هل هو على استعداد وإذا أجاب لا خرج
وتنزه وعندما يعود اسأله مرة ثانية هل هو مستعد
وإذا كانت الإجابة بلا يخرج ثانية ويتنزه،
وهكذا تستمر حتى تسمع الإجابة أنا مستعد، عندئد ابدأ التمثيل.
إن المشية عموما واحدة من أضعف النقط عند الممثلين
وإذا كان الممثل واعيا دوما بالحياة من كل جوانبها
يستطيع في هذه الحالة أن يحدد لنفسه المشكلات
البسيطة في دوره التي ستصبح ميسرة الفهم للجميع وستجد تعبيرا
في إيماءة جسدية سليمة ومحددة.
قوة الملاحظة والإحساس المرهف للمثل:
حكى ممثل مشهور مرة من المرات قصة شاب
صغير دخل يوما من الأيام حجرته مضطربا اضطراب
ا فضيعا عاجزا أن ينطق بكلمة بسبب خجله وبدأ
الشاب يقدم اعتذاره للمثل لما سببه من متاعب
ثم دعك يديه في عصبية وطلب ما إذا كان من الممكن
أن يصبح ممثلا جيدا وما إذا كان من الممكن أن يستمع
له هذا الممثل ولكن الممثل المشهور قال له أخرج اضرب
الجرس مرة ثانية وأعد كل منظر اضطرابك وأسئلتك
منذ البداية فدهش الشاب الصغير أول الأمر ثم بدا
كأنه أودي إيداءا شديدا وقال للممثل ما الذي تعنيه
يا سيدي إني أحس بحالة فضيعة جدا لقد فقدت عقلي
عمليا أحس أني في مفترق الطرق فقد جئت
إليك طالبا النصح ثم تستقبلني هكذا وقال الممثل المشهور
للشاب الصغير لن تصبح أبدا ممثلا وأغلب الظن
أنه كان محقا في تقديره يجب أن يمتلك الممثل إحساسا
مرهفا جدا للملاحظة وذاكرة مكتملة النمو في عضلته
بحيث يكون لديه القدرة على أن تعيد تقديم الوضع
الذي عليه الممثل وحركة جسده وكن على يقين أنك
لن تصل إلى هذا المستوى إذا لم تتخلص من أفكار
المجد والشهرة وكل الأطماع الشخصية. إن الفعل
الجسدي للرجل هو امتزاج متغلغل إلى أقصى حد
بين الصور المرئية الداخلية وسلسلة الموضوعات
الخارجية التي يراها حوله على خشبة المسرح،
لقد اغتنت حياتي أنا بفضل تجاربي الخلاقة الجليلة باعتبار
رجل دوري وستتحد هذه التجارب مع تجاربي الماضية
كممثل مع ما ينتظرني في المستقبل في أدوار
أخرى لأن الممثل لا يجب أن يتبع طريق مجرد الاستعراض
والتقليد إن الدافع الخلاق عند الممثل يموت في المحاكاة،
لأن المسرح إذا فقد اتصاله بمجموع الناس العاديين
لا يمكن بل يجب أن لا يعيش والكلمة اليونانية
(أنا أمثل) تدلكم على القوة العظيمة للفكرة
المتجسدة في الكلمة التي تنطلق على خشبة المسرح
إلى المتفرجين كما أن طاقة فكر الممثل تتفجر بين
الناس مثل قنبلة شديدة الانفجار، إن كل إنسان
يستحوذ عليه الفن لا تكون لديه القوة للتخلص منه لأنه
يعني بالنسبة له السعادة بل والحياة ذاتها
ولا يستطيع قلب الممثل إضافة أية قوانين العمل
الخلاق إنه الإيقاع الوحيد الذي يكتشفه في كل العالم،
أيها الممثلون في المسرح الذي هو واحد من مراكز
الثقافة الإنمائية إذا عجزتم أن تعكسوا الاحتياجات
الروحية لعصركم بمعنى اللحظة الراهنة التي
تعيشون فيها (الآن). إن الدور الذي يكون الصدق
مادته لابد أن ينمو أما الدور الذي تكون
القوالب جميلة مادته فإنه يذوب ويصبح غثا سخيفا.
الخيال وحسن التخيل:
فالخيال يخلق الأشياء التي يمكن أن تحدث بينما
يخلق التخيل الأشياء التي لا وجود لها والتي لم يسبق
لها أن توجد أبدا والتي لن توجد أبدا، إن كل
ما يكتبه المؤلف غير كاف بتقريب الممثل
من الشخصية ولكن الخيال هو الذي يجعله يستوفي
سبر أغوارها من خلال العملية الإبداعية.
تمرين لإثارة فاعلية الخيال:
· تذكر نفسك تشرب الشاي بنشوة وفي
الوقت نفسه تذكر أنك تشرب الخرواع
· تذكر نفسك تجلس على كرسي وأنت
مطمئن وفي الوقت نفسه تذكر أنك تجلس
على موقد مشتعل
والتخيل لا يقوم على مشروع محدد تحديدا جيدا وسبق
أن فكر فيه الممثل تفكيرا طويلا هو عمل عقيم فيجب
عليه أن يجد الإجابة من خلال (متى وأين ولماذا وكيف)
وهذا ينبني على اختبار الإحساس.
تركيز الانتباه: العيب الرئيسي ينحصر في افتخار
الممثل في تركيز الانتباه وإذا لم تتهيأ من قبل فلن
تتقنه أبدا وستكون حركاتك آلية فعندما يكون الممثل
منجذبا إلى نقطة انتباه فوق الخشبة فهذا يجعله يكون
أقدر على تجسيد حياة الواقعية.
الإيمان والإحساس بالصدق: هناك الإيمان الذي يأتي
بطريقة تلقائية ويكون في مستوى الأمر الواقع،
والإيمان المسرحي فهو صادق كما الأول لكنه
يتولد على أساس من التصور والتخيل الفني.
خلاصة فالصدق في الحياة العادية هو الواقع الموجود
بالفعل في حين أن الصدق على المسرح هو شيء
لا وجود له بالفعل لكنه يمكن أن يوجد بالشعور الداخلي
الذي تجيش به نفس الممثل الذي يستطيع أن يوهم
الناس به مثلا في مشهد الانتحار بالخنجر فالمهم هو
الأداء وليس المادة التي صنع منها الخنجر سواء بالورق
أو الفولاذ أو الحديد مع الاعتماد على منهج الضبط
وعدم المبالغة لعدم الوقوع في التزييف وهنا نجد
أهمية لدراسة علم النفس.
3.الذاكرة الانفعالية: هذا الاصطلاح يطلق على عملية
استرجاع ذاكرتنا واستحضار الانفعالات المختلفة
والمتعددة التي نكون قد عشنا ومارسناها فيما مضى
من حياتنا العامة وهي عادة ما تكون ذكريات لحادث
مفرح أو مؤلم ترك بصمات محفورة في ذاكرتنا
نستطيع استرجاعها بسهولة عندما نتعرض لتفاصيل
تشبهها في إحدى المسرحيات مما يجعل عقل الفنان
الباطن ينتقي من هذه الذاكرة ما يسعفه لأداء دوره
فالمشاعر التي نستمدها من تجاربنا الواقعية والتي
ننقلها إلى أدوارنا هي التي تضفي الحياة على التمثيلية.
القوى المحركة الداخلية وهو العقل فإذا توخينا الدقة
فسيستطيع أن يكون قوى محركة وكذلك في عمليات
الخلق التي نقوم بها ثم الإرادة وهي أساس العمل
الخلاق فيجب أن تكون كل حركة وكل كلمة
على المسرح نتاج الحياة السليمة للخيال فإذا نطق
الممثلة كلمة من الكلمات أو قام بالعمل على المسرح
بطريقة ميكانيكية دون أن يعرف من هو وأين سيذهب
وماذا سيفعل هنا فهو في هذه الحالة يمثل بلا خيال
وتصبح الفترة التي يقضيها على المسرح سواء كانت
طويلة أو قصيرة لا تمثل له أية حقيقة لأنه طيلة تلك
الفترة التي يمثل كأي ساعة تدور بعد أن ملئت يمثل
بطريقة أتوماتيكية فلا يجب أن يخطو الممثل خطوة
واحدة على المسرح بطريقة آلية بدون تبريرها من
الداخل أي دون إعمال الخيال وحتى يكون كفئا
لكل مهمة من مهامه، فيجب أن يكون خياله متوقدا نشطا
مستجيبا متطورا بدرجة كافية.
خلاصة على الممثل أن يتعلم كيف ينظر ويرى على
خشبة المسرح لأن عين الممثل الذي يعرف كيف ينظر
ويرى تشد انتباه المتفرجين وتركيز هذا الانتباه على
الشيء الذي يجب أن ينظر إليه أما نظرة الممثل لفارغة
فهي لا تصنع شيئا سوى أن تحول انتباه
المتفرجين بعيدا عن المسرح.
تحياتي