بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
ستانسلافسكي ، اسم معروف في أنحاء العالم ، وخاصة في مجال الفن المسرحي ،
( كوسنانتين سيرجيفيتش ستانسلافسكي ، 1863- 1938 ) ممثل روسي ، مخرج مسرحي ، معلم المسر
ح الحديث ، مدير مسرح موسكو الفني ، حاز على
لقب فنان الشعب في الاتحاد السوفيتي آنذاك ، رفض
أسلوب الحماس الخطابي للتمثيل من اجل مدخل أكثر واقعية ،
ركز على القواعد النفسية لتطور الشخصية ، وأسس
أستوديو الممثل على طريقته و منهجه ، الواقعية لا
ترتبط كاتجاه في الفن المسرحي بكاتب أو مخرج من
رجال المسرح الحديث ( مسرح القرن الحديث ) مثلما ارتبط
باسم ستانسلافسكي وطريقته ومنهجيته في الواقعية السايكلوجية
فهو أكثر من حققوا عن جدارة صفة العالمية بصورة
عملية ، وحاز ستانسلافسكي على مكانته ليس بسبب عروضه
التجريبية الرائعة أو أرائه السياسية الساخنة ، بل لأنه كان
و بحق أول معلم تمثيل حقيقي ، أي أول من امتلك طريقة
ومنهج في تدريب الممثل ، وقد كان ظهور ستانسلافسكي هو
خطوة مهدت لها كافة خطوات التطور السابقة للمثل الجمالية ،
للواقعية الروسية خلال القرن التاسع عشر ، فقد جاء إبداع
المنهج تأسيساً على أفضل ما في التقاليد الفنية الروسية
( تقاليد إبداع جوحول ، بوشيكن ، لير منتوف ، ليو تو لستوي
وغيرهم ) ألا انه يبدو أن التأثير الخاص على الصياغة
الجمالية لنظرة ستانسلافسكي هو ماكان لكتابات
( تسيخوف وغور غي ) الدرامية ، وهي الواقعية التي تختلف
بالمرة عن الطبيعة التي سادت المسرح الأوربي وحتى ذلك الوقت ،
والتي فرضت على الكل مناهضتها لما فيها من سطحية
وشكلية فارغة ، وكما يشير وكما يشير أن الواقعية
( لم تعد هي واقعية البيئة ، أو الصدق الخارجي بل
واقعية الصدق الداخلي في حياة النفس الإنسانية ،
واقعية المعايشة الطبيعية
التي تتماشى بطبيعتها مع مشارف المذهب الطبيعي الروحي )
في أولى مراحله الفنية الأولى ، كان ستانسلافسكي
( ككل المبتدئين ) يقلد العديد من الممثلين الكبار ،
وقد مثل في حياة عشرات الأدوار الكوميدية الغنائية الراقصة في الفودفيلات ، الا
وبريتات التي كانت تقدمها حلقة الهواة التي كونتها عائلته ، وكان لهذا ميزة ،
انه سرعان ما أدرك انه تقليد النماذج الأخرى مهما يكن فانه يقود
إلى ثوابت شكلية ، أكليشيهات ) ، و أن البحث في الحياة و
الطبيعة هو ما يقود الفنان إلى طريق واسع إلى الفن الحقيقي
المتسع ، وهكذا قرر رفض الأسلوب الخطابي والحماسي للتمثيل
من اجل مدخل أكثر واقعية ، مركزاً على القواعد النفسية لتطور
الشخصية ، و على هذا الأساس أقام منهجه ( طريقته )
من خلال عمله في مسرحه ، مسرح الفن ( 1898 ) موسكو ، و لكن ما هي
حقيقة هذا المنهج الذي أورثه ستانسلافسكي إلى تلامذته في العالم اجمع ، ليس في روسيا فقط ،
يتألف المنهج وفق الخطة التي وضعها ستانسلافسكي نفسه لمؤلفاته في مدخل و قسمين :
المدخل هو كتاب ( حياتي في الفن ) حيث يعرض فيه
منطلقاته الأساسية في الفن المسرحي معتمداً على تجربته الذاتية.
القسم الأول ويتألف من جزئين بعنوان ( عمل الممثل مع نفسه ) و هما :
1- أعداد الممثل في المعاناة الإبداعية ( الداخلية ).
2- في المعايشة و التجسيد ( الخارج ).
القسم الثاني هو كتاب ( عمل الممثل مع الدور ) أو
( إعداد الدور المسرحي ) ، هذا عدا أبحاثه و كتاباته
النقدية في الفن المسرحي ، فن الأوبرا وأيضا رسائله ،
ونشرت ( مجلة أفاق المسرح ) المصرية العدد 21 أن
( د. شريف شاكر المخرج والباحث السوري ، قام بترجمة
هذين القسمين إلى العربية عن الروسية ، بعد
أن كان متوفر من منهج ستانسلافسكي هو الجزء الأول في القسم الأول والمترجم
عن الانكليزية ، وهو ما أدى لفترة طويلة إلى انتشار
فهم منقوص و خاطئ لمنهج ستانسلافسكي من جانب المسرحيين العرب خاصة )
وتختلف طريقة أو منهج ستانسلافسكي عن غالبية
الطرق المسرحية السابقة عليها ، كونها لا تطمح
إلى دراسة النتائج النهائية للإبداع ، ولكن إلى تفسير
الدوافع المؤدية إلى هذه النتائج أو تلك ، فمن خلالها
تحل مشكلة ( السيطرة الواعية ) على العملية الإبداعية
اللاواعية ، وتتبع خطوات عملية التجسيد العضوي التي يجريها
الممثل للشخصية ، والمهم أنها لم تكن مجرد نظرية صرف
بمعزل عن التجربة الكلية الإبداعية و التعليمية لستانسلافسكي نفسه ،
ولمسرحه ، وقد سماها ( فن المعايشة ) ، ولا يعني هذا
الاصطلاح الذي عانى من التباسات كثيرة ، أن يفقد
( الممثل نفسه في الشخصية ، بل يعني إلى ما اشرنا
إليه في عملية ولادة أو خلق الممثل لـ ( شخصية إنسانية جديدة ،
على أساس من الصفات الفردية الخالصة ،
أي يخضع الممثل ذاته و أفكاره ومشاعره لجميع
الدقائق وخصائص إنسان أخر ).
فالصدق الذي يسعى إلى تحقيقه الممثل وفقاً لهذه الطريقة ،
وليس هو بالمرة صدق واقعي ، بل هو الصدق الفني ،
الذي يؤمن الممثل بوجوده في نفسه وعند الآخرين من
فريق العمل المسرحي وبدون هذا الصدق لا وجود
للعمل الفني الخلاق على المسرح ، فهو يؤكد على
( المنحى الخيالي ) الذي يرتبط به ، حيث أكد على العمليات
الداخلية لدى الممثلين ، وأكد على الوسائل التي يستطيع
الممثلون من خلالها استحضار في مجال خبراتهم و
المواقف والانفعالات التي يمر بها الكاتب المسرحي
ومحاولة أن يجعل من الشخصيات المسرحية التي تشعر بها ،
وتمثيل الممثل ما يمكن أن يكون عليه هذا الدور في
الموقف الدرامي على المسرح ، ويفكر قائلا
( ما الذي ينبغي أن افعله ) واستخدام ( لو) السحرية التي
يعتبرها ستانسلافسكي هي المفتاح الخاص الذي يفتح
باب التجسيد الخيالي للمشاعر والانفعالات وعلى نحو يتم
بالكفاءة ، وهناك أيضا ( المذاكرة الانفعالية ) التي توكد
على محاولة الممثل والممثلين تذكر المناسبات التي حدثت فيها ،
أو من خلال حياتهم والظروف المماثلة لها في المسرحية ،
بعدها يعيدوا تكوين أو إيقاظ ذلك الانفعال الذي كانوا يشعرون
به من خلال ذلك الزمن الماضي ، و دمج الانفعال والإيماءات
التي احى بها أو استثارتها في المشهد الدرامي الآني وبشكل مناسب ،
أي تكيف ما في داخله بما يتناسب مع الدور ، مع التأكيد
على تجنب ( الإحساس المتطرف ) الذي يبديه الممثل على
خشبة المسرح ، لما له من تأثير سلبي في إيقاف
التواصل مع المشاهد ( المتلقي ) ، كما يقول
( لكل لحظة فعل يرتبط بشعور محدود ، وكل شعور يستدعي
بدوره فعلاً محددا ، أي يعرف من أين هو آت و لأي
سبب موجود ، وعكسه فان ما يقوم به عبارة عن شعوذة
وليس فعلا نموذجيا ، أي انه أدرك أن عليه جعل منهجه
يعمل وفق ( من الداخل إلى الخارج ) ، والفعل ألبدئي
الفيزيولوجي هو نقطة الانطلاق في خلق أو تخليق الشخصية ،
إذ كيف يمكن البدء مع الممثل من ( الخارج إلى الداخل )
بدون دور مكتوب ؟ ، أن الارتجال الوسيلة الناجحة التي
اكتشفها ستانسلافسكي أنها قوة دافعة لخيال الممثل ،
وهو تأكيد للدخول إلى الحياة الشخصية الداخلية ،
بصورة أكثر صدقا و هو الأساس في حل المقارنة القائمة
في فن الممثل ، الوهم – الحقيقة / الخيال – الواقع .
أي بالانتصار للواقعية وللحقيقة السايكلوجية ، وجعل الشخصية
الخيالية تصبح شخصية واعية ، بواسطة خلق
( حياة الروح الإنسانية ) من روح الممثل. وفي قميص الشخصية
أي ( موّلد كائن أنساني لا سيما في هذه الحالة الخاصة ، الإنسان – الدور ).
تحياتي